حوار مع يوفال هراري حول سلوك إسرائيل ومستقبل الذكاء الاصطناعي

أولًا: إدانة غير مسبوقة من الداخل – تشخيص “كارثة روحية”

يوفال هراري، باعتباره أحد أبرز المفكرين الإسرائيليين عالميًا، لا يكتفي بتوصيف الوضع السياسي أو الأمني، بل يتحدث عن تحول وجودي داخل الهوية اليهودية:

“ما نواجهه ليس كارثة عسكرية أو سياسية… بل كارثة روحية لليهودية.”

  • بهذا التوصيف، يضع هراري ما يجري ضمن أخطر المفاصل التاريخية في التجربة اليهودية، مساويًا إياه من حيث الخطورة بسقوط الهيكل الروماني في القرن الأول الميلادي.
  • لكن على عكس الكوارث السابقة التي حافظت اليهودية خلالها على جوهرها الأخلاقي والروحي، يقول هراري إننا اليوم أمام احتمال انهيار هذا الجوهر ذاته.

ثانيًا: من قلب المشروع الصهيوني إلى تهديد جوهره

ينتقد هراري المسار الذي تسلكه إسرائيل بصراحة نادرة، محذرًا من نتيجة ثلاثية كارثية:

  1. تطهير عرقي محتمل في غزة والضفة الغربية (ترحيل ملايين الفلسطينيين).
  2. نهاية الديمقراطية الإسرائيلية وتحولها إلى نظام يقوم على “التفوق اليهودي”.
  3. إعادة تعريف اليهودية عالميًا على أساس القوة والعنف.

“لن يستطيع يهود نيويورك أو لندن بعد الآن أن يقولوا ‘هذا ليس اليهودية الحقيقية’… فهذه ستكون هي اليهودية الوحيدة المتاحة.”

بهذه العبارة الصادمة، يربط هراري بين سلوك الدولة الإسرائيلية والهوية الدينية والأخلاقية لليهود في العالم أجمع، محذرًا من أن هذه التحولات لن تبقى محصورة داخل حدود إسرائيل.


ثالثًا: نقد جذري للتحول من “اليهودية التلمودية” إلى “اليهودية الرومانية”

يسترجع هراري التحول الذي قاده رابي يوحنان بن زكاي بعد سقوط الهيكل، عندما طلب من الرومان مدينة “يفنه” ليجعل منها مركزًا للعلم والدراسة بدلًا من عبادة الدماء والقرابين.

ويتابع بسخرية مرة:

“لو كان هدفنا بناء جيش قوي وسحق الضعفاء… لكان من الأفضل أن نطلب من فيسباسيان (القائد الروماني) أن يعلمنا ذلك، بدلًا من إضاعة 2000 سنة في الدراسة.”

  • هذا التشبيه المؤلم يشير إلى أن إسرائيل اليوم تتراجع إلى “اليهودية الرومانية” التي تمجد القوة وتنسى القيم.
  • يلمّح إلى خيانة المشروع اليهودي التلمودي الذي جعل من الدراسة والجدل والأخلاق جوهرًا لليهودية.

رابعًا: توصيف السلوك الإسرائيلي بأنه معادٍ لليهودية التاريخية

يقول هراري:

“القيم التي تقوم عليها إسرائيل اليوم… كانت تعتبر معادية لليهودية طوال 2000 سنة.”

  • يتحدث عن عبادة القوة، تفوق العرق، احتقار المستضعف، ويصف هذه القيم بأنها نقيض ما طوّره اليهود من قيم في المنفى.
  • هذه ليست فقط انتقادات سياسية، بل إدانة أخلاقية عميقة لانقلاب في فلسفة الدولة والمجتمع.

خامسًا: اللوم لا يقتصر على أقلية متطرفة

يرد هراري على من يزعم أن اليمين المتطرف في إسرائيل هو أقلية:

“التاريخ تصنعه أقليات… لكن حتى هذه الأقلية ليست صغيرة، ربما أكثر من 50% من الإسرائيليين يدعمون أفكارًا مثل الترحيل الجماعي.”

  • بذلك، ينقل المسؤولية إلى المجتمع الإسرائيلي بأسره، لا فقط السياسيين أو الجيش أو المستوطنين.
  • يُظهر حجم التحوّل الشعبي نحو التطرف ويُحذّر من نتائجه على الهوية الجماعية.

خلاصة الموقف الأخلاقي:

  • هراري لا يساوي بين الجانبين، بل يُحمّل إسرائيل مسؤولية الانزلاق نحو شكل جديد من الاحتلال والعنصرية.
  • يستبطن خطابه صرخة داخلية نابعة من انتمائه اليهودي: هو لا ينتقد إسرائيل كعدو بل كمن يحاول إنقاذ ما تبقى من جوهرها الأخلاقي.
  • ويُذكّر المستمعين – اليهود والعالم – أن ما يتم فعله اليوم باسمهم، قد يُعيد تعريفهم للأبد
    المصدر : يوتيوب

شارك
يوسف الديني
يوسف الديني

باحث سعودي ومستشار ثقافي درست العلوم السياسية والإسلاميات التطبيقية، وعملت بالصحافة منذ عام 1999، لدي عمود رأي في جريدة الشرق الأوسط اللندنية منذ 2005، أعمل حالياً مستشاراً في مكتبة الملك فهد الوطنية، ودارة الملك عبدالعزيز

المقالات: 36

الاشتراك بالنشرة البريدية

انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *